قضايا وآراء

واشنطن.. نحو تطبيق المزيد من الضغوط على دمشق

| عبد المنعم علي عيسى

لم يستغرق «قانون العقوبات الجديد على سورية»، الذي حمل اسم «كبتاغون 2»، لأكثر من عشرة أيام في رحلته التي قضاها ما بين «مجلس النواب» و«مجلس الشيوخ» وصولاً إلى البيت الأبيض، لكي يصبح نافذاً منذ يوم الأربعاء الماضي في أعقاب وضع الرئيس الأميركي جو بايدين توقيعه عليه، ولربما كان ذلك «التناغم» و«السرعة» فيما بين الحلقات الثلاث أمراً لافتاً بدرجة يصبح معها السؤال حول دواعيهما أمراً مشروعاً، إذ لطالما شهدت دوائر صنع القرار بواشنطن على مدى يزيد على ثلاثة عقود، هي عمر انفرادها بالسيطرة العالمية التي استدعت حالة من الاسترخاء كما يبدو، من بيروقراطية بدت آخذة بالتنامي حتى تشاكى منها المشرعون ومن ينتظرون «التشريعات» على حد سواء، صحيح أن تمرير القانون آنف الذكر كان قد حدث على هامش اجتماعات طارئة لـ«الكونغرس» كانت تهدف بالدرجة الأولى لتمرير حزمة كبيرة من المساعدات الخارجية لكل من أوكرانيا وإسرائيل وتايوان، إلا أن الربط بين الأمرين، تمرير المساعدات الخارجية جنباً إلى جنب تمرير قانون العقوبات الجديد على دمشق، أمر يستدعي الانتباه، فإذا ما كانت الحاجة للتمرير الأول تقتضي إزالة «الصدأ» عن مفاصل الحركة كفعل لاعتبارات تفرضها «السخونة»، فما الذي استدعى ذلك في حالة التمرير الثاني الذي لا يعيش تلك الاعتبارات، أقله وفق ما هو مرئي وظاهر.

قد تفسر التقارير الصادرة عن واشنطن بالتزامن مع إقرار القانون جزءاً من المشهد، فالأخير جرى الإعداد له، وفق تلك التقارير، ومن ثم وضعه على سكة سريعة بـ«التشاور ما بين فريق قانوني أميركي والمعارضة السورية الناشئة بالولايات المتحدة»، والجدير ذكره هنا في هذا السياق أن ثمة مكونين حمل أولاهما اسم «التحالف الأميركي لأجل سورية» وثانيهما «المجلس السوري الأميركي» كان قد سطع نجميهما منذ نحو ثلاث سنوات في مؤشر يبدو أكيداً على رهان أميركي بإمكان تثقيل دور المعارضة السورية المقيمة على أراضيها على حساب المعارضة التقليدية التي تتجاذب قرارها دول إقليمية عدة بدرجة أكبر مما تستطيعه واشنطن، لكن المؤكد هو أن ذلك ما كان ليحدث، فتستجيب الأخيرة لمساعي ذينك المكونين، لولا وجود حالة احتياج أميركية كانت تتلاقى مع تلك المساعي، ولربما أرادت واشنطن في هذا السياق استخدام توقيت الفعل كصندوق بريد تريد رسائله القول إن تعرض القواعد الأميركية المتواجدة بشكل غير شرعي على الأراضي السورية للمزيد من الاستهداف، وهو الأمر المتصاعد ما بعد التوتر الإيراني الإسرائيلي الحاصل في أعقاب استهداف القنصلية الإيرانية بدمشق يوم 1 نيسان الجاري، لن يدفع بواشنطن إلا إلى تطبيق المزيد من الضغوط الاقتصادية والسياسية على دمشق التي تتحمل، وفق النظرة الأميركية، مسؤولية مباشرة تجاه ذلك الفعل.

احتوى القانون الجديد، الذي يمثل طبعة رابعة من القوانين التي راحت واشنطن تضعها لقولبة الكيان السوري وفق اعتبارات تراها مناسبة لمصالحها وكذا ملبية لمطالب ربيبتها الإقليمية إسرائيل، على قائمة طويلة من الأسماء التي تمثل، بشكل أو بآخر، حيثية حكومية سورية، وفي تضاعيفه مضى نحو «طلب الحجز على أملاكهم، ومنعهم من الدخول إلى الولايات المتحدة»، وعلى الرغم من أن هذا لا يأتي بجديد انطلاقاً من كون تلك الأسماء، أو أغلبيتها الساحقة، سبق لها أن أدرجت في لوائح سابقة، ناهيك عن أنها كلها، بالتأكيد، ليس لها أرصدة بنكية في الولايات المتحدة، لكن الجديد المحتمل هو أن القانون سوف يرمي بحمولات ستكون شديدة الوطأة على قطاع الأدوية السورية الذي عانى في الآونة الأخيرة من هزات عدة استدعت بالضرورة ارتفاعاً هائلاً في أسعار منتجاته بما أثقل كاهل شريحة واسعة من السوريين، مع التزام الحكومة السورية موقف «الحياد» تجاه تلك الهزات، في الوقت الذي كان يتوجب عليها التدخل، حيث الخيارات ليست معدومة، للحفاظ على «الأمن الدوائي» الذي لا يقل أهمية عن نظيره الغذائي، هذا إن لم يَفُقْهُ بالأهمية في حالات عديدة.

واشنطن لا تريد إيجاد حل للأزمة السورية يكون قريباً، وهي لم تكن مؤيدة لعقد جولة جديدة من اجتماعات «اللجنة الدستورية» التي دعا إليها المبعوث غير بيدرسون يوم الـ22 من نيسان بعد طروحات كان من بينها أن تصبح الرياض بديلاً لجنيف كحل لـ«عقدة المكان»، والشاهد هو أن إحاطة هذا الأخير التي قدمها أمام مجلس الأمن كانت تشير، ولو تلميحاً، إلى شيء من هذا القبيل، وكل ما تريده واشنطن هو تعميق الجراح السورية، ووصول الكيان السوري إلى حال من التمزق يصبح مؤهلاً معها لقبول أي حل يعرض عليه، والمشكلة هي أن جزءاً من السوريين يرى في المرامي الأميركية «صوابية» تتلاقى مع مراميه الناجمة عن حسابات ضيقة، إذ لا يعقل أن تصبح الخيارات منحصرة في وجوب إحداث تغييرات في بنيوية السلطة القائمة في البلاد ولو كان ذلك على أشلاء وطن.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن