من دفتر الوطن

حارس القدس الجديد

| حسن م. يوسف

في شبابه لم يكن ابن حلب المطران السوري هيلاريون كبوجي متفقاً مع الكاهن الكولومبي كاميلو نوريس الذي برر حمل السلاح ضد الظالمين وانخرط في جيش التحرير الوطني الكولومبي، لكنه عندما عين مطراناً للقدس وشهد القهر المنظم الذي يمارسه كيان الاحتلال بحق أبناء رعيته الفلسطينيين عقب احتلال المدينة المقدسة عام 1967 قال: لو كان مخلصنا عيسى المسيح في عصرنا لحمل السلاح في وجوه المحتلين! وهكذا أسس أول خلية فدائية في القدس، وصار ينقل السلاح بسيارته الدبلوماسية، أثناء تنقله بين لبنان وفلسطين، وقد برر موقفه بعبارة شهيرة: «من لا يحب أمته خائن لربه!».

قبل أيام سألني أحد القراء ماذا كان المطران الفدائي كبوجي سيفعل، لأجل غزة، فيما لو كان ما يزال حاضراً بيننا؟ أجبته إن المطران كبوجي ما يزال حاضراً فينا، وهو يتجسد الآن بشخص المطران المناضل عطا اللـه حنا الذي يلعب دوراً ثورياً تنويرياً لا في الحياة الوطنية الفلسطينية وحسب بل في الحياة العربية عموماً.

وقد انتبه الكيان الغاصب للدور البارز الذي يلعبه هذا المطران الوطني المخلص وخاصة بعد أن قام في مطلع العام 2010 بتوجيه نداء مهم بالعربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية للغرب وكنائسه، ناشدهم فيه باسم مسيحيي الأراضي المقدسة بضرورة التحرك من أجل حماية المقدسات في فلسطين عموماً وفي مدينة القدس بشكل خاص، وقد قال في ذلك النداء- الوثيقة إن «الاحتلال العسكريّ لفلسطين خطيئة ضد اللـه والإنسان لا تغتفر إلا بالسلام العادل وتحقيق المساواة».

ونظراً للدور المتنامي لهذا المطران الشجاع قامت سلطات الاحتلال الصهيوني النازي بتسميمه في شهر كانون الأول عام 2019 لكن اللـه نجاه من كيدهم الشرير.

وقد عبّر المطران عطا اللـه مؤخراً عنً انتقاده للرسالة الفصحية التي نشرها مجلس الكنائس العالمي ومقره في جنيف من دون أن يذكروا فيها شيئاً عن غزة وعن فلسطين واعتبر أن هذا موقف «غير مسيحي ولا يعبر عن الموقف المسيحي المبدئي بل هو تجسيد لأجندات سياسية»، وأضاف بلهجة مؤنبة: «إنكم تتحدثون عن القيامة وتتجاهلون بأن أرض القيامة تنزف دما»!.

والحق أن ما ينشره المطران عطا اللـه حنا على صفحته الرسمية في الفيس بوك يعبر عن قلب وطني مشتعل ووعي حاد وقد استوقفتني بعض ألسنة حاله كقوله: «إن غزة عرَّت العالم بأسره وظهر الوجه القبيح للمنظومة الدولية التي تتغنى بحقوق الإنسان لكنها في الواقع تغض الطرف عن التجاوزات الخطيرة والجرائم المروعة المرتكبة بحق شعبنا».

وكصرخته الحادة: «التجويع كسلاح للتركيع… جريمة حرب»، وقوله: «المسيحيون والمسلمون في هذه الديار شعب واحد وقضية واحدة… ونزيف غزة هو نزيفنا جميعا».

وكقوله: «ليس الوقت للمناكفات الفلسطينية الداخلية والردح المتبادل… احترموا تضحيات شعبنا، وقوله: «القدس نعشقها ونسكن فيها ولكنها ساكنة فينا كما هي ساكنة في وجدان كل إنسان حر، نحن في القدس باقون ما بقي الزعتر والزيتون».

ألف تحية لسماحة المطران عطا اللـه حنا، فما خاب من سماه عطاء اللـه فهو هدية من السماء في هذه الظروف المصيرية التي يمر بها شعبنا، إذ تتجسد في شخصه أنبل سمات الأخيار الذين أنجبتهم هذه المنطقة عبر تاريخها الطويل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن